نجتمع اليوم مرة أخرى لإحياء ذكرى أحد أحلك الفصول في التاريخ الإنساني الحديث، وهو الإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا.
منذ واحدٍ وثلاثين عامًا، قُتل أكثر من مليون شخص بوحشية خلال مئة يوم فقط – الغالبية العظمى منهم من التوتسي، ولكن أيضًا من الهوتو وآخرين وقفوا ضد هذه الإبادة. أُبيدت عائلات بأكملها. وتفككت مجتمعات بكاملها. وفشلت البشرية في حماية أبنائها.
إن رعب ذلك الفصل لا يجب أن يختفي أبدًا من ذاكرتنا الجماعية. ليس فقط بسبب حجمه وسرعته، بل لأنه لم يكن عشوائيًا. لقد كان متعمّدًا. كان مُحرّضًا عليه. كان مُنظَّمًا. وربما الأشدّ إيلامًا... وقد كان من الممكن منعه.
نقف اليوم لنتذكر ليس فقط من فقدناهم، ولا فقط حجم هذه الجريمة، بل أيضًا تلك المؤشرات التحذيرية التي لم يتم الإصغاء إليها.
نقف لنتذكّر مجددًا أن الإبادة الجماعية لا تحدث بمعزل عن السياق. إنها تبدأ قبل وقت طويل من أول فعل عنف – تبدأ بانتشار الكراهية، وتجريد الآخر من إنسانيته، وفشل القيادة.
ونقف لنتأمل في التقدّم الذي حققناه خلال العام الماضي.
اسمحوا لي أن أطرح سؤالًا على كل من في هذه القاعة: ما الصدى الذي ترونه اليوم لتلك المأساة؟ هل ندمج الدروس المستفادة من تجربة رواندا في واقعنا؟ هل العالم يتغير للأفضل؟
سأتحدث بوضوح: أشعر بالقلق الشديد تجاه ما أراه في عالمنا اليوم. أشعر بقلق عميق لأن العديد من المخاطر نفسها لا تزال قائمة.
نعيش في زمن يسوده الانقسام والاستقطاب. في زمنٍ تُستخدم فيه سرديات "نحن" مقابل "هم"، وتُسلّح فيه التقنيات الرقمية لإشعال الكراهية ونشر الأكاذيب. نشهد تآكلًا متزايدًا للقانون الدولي، وازديادًا في النزاعات المسلحة، وهجمات ضد المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، وتراجعًا في الدبلوماسية والسلام والتضامن العالمي.
لكن الأمل في هذا الوقت الصعب ينبع من كل واحدٍ وواحدةٍ منا في هذه القاعة.
لكل دولة واجبٌ في احترام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية – في المنع، والحماية، والمحاسبة. لكن هذه المسؤولية تقع أيضًا على عاتقنا كأفراد.
علينا نحن الموجودين هنا أن نواجه الواقع بشجاعة ووضوح.
علينا أن نُدين الكراهية، وندافع عن الحقيقة، ونصون كرامة كل إنسان.
علينا أن نستمد القوة من رحلة رواندا، ومن تصميمها على النهوض من رماد الدمار، باختيارها للوحدة بدلًا من الانتقام، والتقدم بدلًا من الشلل، والكرامة بدلًا من اليأس. لقد كانت تلك الطريق صعبة، ولا تزال مستمرة، لكنها تشهد على ما يمكن تحقيقه عندما تختار أمة طريق التجديد.
علينا أن نستقي الإلهام من شجاعة رواندا، وأن نلتزم بتكريم الضحايا والناجين بحمل إرثهم والاستجابة لنداء العمل الذي تطلقه هذه الذكرى.
أحثكم على ما يلي:
تذكّروا، حتى لا نصبح يومًا غير مبالين تجاه الظلم.
توحّدوا، لأنه فقط معًا يمكننا مقاومة قوى الانقسام.
جدّدوا التزامكم بالسلام والكرامة وحماية كل نفس بشرية.
وفي هذا العام الذي نحتفل فيه بالذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة – والتي وُلدت من رماد إبادة جماعية أخرى استدعت حربًا عالمية لوضع حد لها – دعونا نتمسك بالقيم الأساسية التي تأسست عليها الأمم المتحدة: المساواة، والكرامة، وقيمة كل فرد في الأسرة الإنسانية.
ولنجعل أفعالنا جديرة بتلك العبارة التي نكررها دومًا: "لن يحدث ذلك مرة أخرى."
شكرًا لكم.