خطاب الأمين العام في مؤتمر الاستجابة الإنسانية العاجلة لأجل غزة
الأونروا هي العمود الفقري لهذه الاستجابة الإنسانية، وهي تعاني بشكل لا يستحمل إلى جانب الشعب الذي تقدم الدعم له.
جلالة الملك عبد الله [ابن الحسين]،
فخامة الرئيس [عبد الفتاح] السيسي،
أصحاب السعادة،
حضرات الضيوف الموقرين،
حضرات السيدات والسادة،
أشكركم على اجتماعكم هنا تلبية لهذا النداء العاجل للعمل من أجل توفير الإغاثة لإنقاذ حياة سكان غزة.
لقد مضت الآن ثمانية أشهر منذ تنفيذ هجمات حماس الإرهابية المروعة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر واختطاف الرجال والنساء والأطفال الإسرائيليين نحو غزة.
ومرت ثمانية أشهر منذ بدء معاناة المدنيين الفلسطينيين في غزة دون هوادة.
حيث لا تضاهي المجازر وأعمال القتل المرتكبة في غزة، من حيث سرعة وتيرتها وحجمها، أي أعمال ارتكبت خلال السنوات التي قضيتها كأمين عام.
فقد أجبر ما لا يقل عن 1,7 مليون شخص على النزوح – 75 بالمائة من سكان غزة – ولعدة مرات في الكثير من الأحيان.
ولا يوجد أي مكان آمن في غزة.
وظروف العيش متردية.
وبلغت حالة الصحة العامة درجة تجاوزت مستويات الأزمة.
حيث تحولت مستشفيات غزة إلى أنقاض.
وتنعدم اللوازم الطبية والوقود أو لا تتوفر إلا بقدر ضئيل.
ولا تتوفر لأكثر من مليون فلسطيني في غزة مياه الشرب النظيفة بالقدر الكافي وهم يواجهون الجوع بمستويات تبعث على اليأس.
وأكثر من 000 50 طفل في حاجة إلى العلاج من سوء التغذية الحاد.
وعلى الرغم من هذه الاحتياجات الهائلة، فما لا يقل عن نصف جميع بعثات المساعدة الإنسانية تواجَه برفض دخولها أو تلقى العراقيل أو تلغى لأسباب تشغيلية أو أمنية.
وعلاوة على كل ذلك، انخفض بمقدار الثلثين تدفق المساعدة الإنسانية الحيوية الموجهة لسكان غزة، منذ الهجوم على معبر رفح الحدودي قبل شهر واحد، مع العلم أن تلك المساعدة كانت أصلا غير كافية بشكل شديد.
أصحاب السعادة،
إن العالم يبذل، في مواجهة هذه الكارثة، قصارى الجهود لإنقاذ الأرواح.
وأود أن أعرب عن امتناني للأردن ومصر على كل ما يبذلانه من جهود.
واسمحوا لي يا جلالة الملك أن أعبر، من خلالكم، على الشكر للشعب الأردني لما يبذله من مساعي الإغاثة – بوسائل شتى منها قوافل المساعدات والإسقاط الجوي للمساعدات والمستشفيات الميدانية.
ونعرب جميعا عن تقديرنا لالتزامكم الشخصي بتعبئة المجتمع الدولي ولدعوتكم المتواصلة إلى إنشاء آلية تنسيق قوية لأجل التدفق الآمن والسلس للمساعدات بالقدر الكافي إلى سكان غزة. وأحث المجتمع الدولي على دعم جهود الأردن في اضطلاعه بدوره الحاسم في مساعدة سكان غزة وفي أداء دور المركز الإقليمي الرئيسي للعمل الإنساني.
وأود أيضا، فخامة الرئيس السيسي، أن أثني على دوركم القيادي الحاسم وعلى الدور القيادي لحكومة وشعب مصر، ليس فقط في دعم تقديم الإغاثة الإنسانية لسكان غزة بطرق عديدة جدا، بل أيضا في إسهامكم المحوري في السعي إلى وضع حد لهذا الصراع المأساوي وبناء أساس للسلام المستدام.
ونحن نحيي جميعا، بالطبع، موظفي المساعدة الإنسانية الشجعان الذين يعملون في غزة في ظروف مأساوية لوقف المعاناة.
ويعمل زملاؤنا الفلسطينيون من موظفي المساعدة الإنسانية، على وجه الخصوص، في مواجهة عقبات هائلة وفي ظروف يكاد يستحيل التصدي لها.
ولنتخيل الحياة والظروف التي يعيشونها.
فهم يلتحقون بعملهم في حين تتعرض فيه منازلهم للتدمير ويلقى فيه أحباؤهم مصرعهم.
ويرافقون قوافل المساعدة الإنسانية على الرغم من تعرضها لإطلاق النار.
ولولا هؤلاء الأفراد الشجعان لانهارت عملية الإغاثة في غزة.
والأونروا هي العمود الفقري لهذه الاستجابة الإنسانية، وهي تعاني بشكل لا يستحمل إلى جانب الشعب الذي تقدم الدعم له.
وأُعرب في هذا الصدد عن خالص التعازي لعائلات وأصدقاء موظفي الأونروا الذين قتلوا وعددهم 193 موظفا.
ويجب المساءلة بشكل كامل عن قتل كل فرد منهم، كل حالة على حدة.
ذلك أن استهداف أفراد الأمم المتحدة ومبانيها بالهجومات أمر لا يمكن قبوله.
أصحاب السعادة،
يجب أن تتوقف هذه الفظاعات.
وقد آن أوان وقف إطلاق النار والإفراج غير المشروط عن الرهائن.
وإني أرحب بمبادرة السلام التي قدم الرئيس بايدن مؤخرا خطوطها العريضة وأحث جميع الأطراف على اغتنام هذه الفرصة.
وأدعو الأطراف كافة إلى احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني.
وتشمل تلك الالتزامات تيسير إيصال المساعدة الإنسانية إلى غزة وداخلها على حد سواء، على نحو ما أبدت الأطراف من التزام بذلك.
ويجب فتح جميع الطرق المتاحة المؤدية إلى غزة.
وأرحب أيضا بتنسيق كل ما يبذل من جهود لتفعيل آلية تيسير دخول المساعدات إلى غزة بشكل كامل على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن 2720.
ولا يزال عمل كبير منسقي الشؤون الإنسانية وشؤون إعادة الإعمار الرامي إلى التعجيل ببدء تشغيل الآلية وتوسيع نطاقها حاسم الأهمية. وأثني على الحكومات والشعوب في جميع أنحاء المنطقة والعالم لدعمها للآلية.
وكفالة أمن الأونروا وشركائنا في مجال العمل الإنساني حيوي لنقل المساعدات المنقذة للأرواح عبر الحدود وإلى المناطق التي يتعين إيصالها إليها داخل غزة.
وتتطلب عمليات التسليم توفير طرق آمنة وآليات فعالة لتجنب التضارب لكفالة إجرائها في ظروف آمنة.
وهي تستلزم إتاحة الوصول دون عراقيل إلى معدات الأمن والاتصالات، بما يناسب متطلبات مواجهة المخاطر التي ينطوي عليها العمل في منطقة حرب.
وتقتضي أيضا بذل جهود فورية لتطهير الطرق الملوثة بالألغام والذخائر غير المنفجرة داخل غزة.
ويجب تمكين المدنيين من البحث عن ملاجئ آمنة. ولا يجب، بأي حال من الأحوال، أن يستخدم المدنيون والبنية التحتية التي يعتمدون عليها في الأغراض العسكرية أو أن يكونوا عرضة للاستهداف.
أصحاب السعادة،
إني أدعو العالم أيضا إلى الوقوف صفا واحدا من أجل حماية الأونروا في مواجهة هجمات شائنة لا هوادة فيها.
فدور الأونروا سيبقى حاسما ليس فقط خلال النزاع، بل بعد انتهائه.
ذلك أن أكثر من مليون طفل يعانون من صدمات شديدة في غزة هم في حاجة إلى الدعم النفسي الاجتماعي وإلى الأمان والأمل اللذين كانت مدارسهم تمدهم بهما.
وقد تضرر نحو 60 في المائة من مجموع المباني السكنية وما لا يقل عن 80 في المائة من المرافق التجارية من جراء القصف الإسرائيلي. وتحولت المرافق الصحية والمؤسسات التعليمية إلى أنقاض.
والأونروا وحدها لديها القدرات والمهارات والشبكات اللازمة لدعم الشعب الفلسطيني في مواجهة التحدي الهائل الماثل في مجالات الصحة والتعليم وفي غير ذلك من المجالات العديدة.
أصحاب السعادة،
حضرات الضيوف الموقرين،
أيها الأصدقاء الأعزاء،
إن تسوية الأزمة الإنسانية في غزة هي في نهاية المطاف سياسية بطبيعتها.
فالسبيل الوحيد للمضي قدما يكمن في إيجاد تسوية سياسية تمهد الطريق أمام السلام المستدام، على أساس وجود دولتين، فلسطين وإسرائيل، تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن، على أن تكون القدس عاصمة لهما معا، على أساس خطوط ما قبل عام 1967 وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة والاتفاقيات السابقة والقانون الدولي.
فلنواصل العمل لجعل ذلك حقيقة واقعة ونحن نسعى إلى الاستجابة للنداء الموجه اليوم للعمل من أجل الفلسطينيين في غزة الذين هم في حاجة ماسة وفورية لتلبية احتياجاتهم.
شكراً لكم.