قبل ثلاثة عقود من الزمن، اجتمع في بكين، بشكل غير مسبوق، 17 ألف ممثلا عن 189 حكومة، إضافة إلى 30 ألف ناشط وناشطة، وتوحدوا من أجل مهمة واحدة تتمثل في الدفاع عن المساواة بين الجنسين وتمكين كافة النساء في كل مكان.
بالرغم من ذلك، نجد أنفسنا عند منعطف حرج، لنفكر في التقدم المُحرَز والطريق الذي أمامنا.
وبينما نحيي اليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس/آذار، فمن الضروري إعادة النظر في الوعود التي قُطِعَت في بكين، خاصة ونحن نشهد أمامنا تحديات تختبر إيماننا بالالتزام العالمي بحقوق المرأة.
إن مشاركة الأردن في مؤتمر بكين، بقيادة صاحبة السمو الملكي الأميرة بسمة بنت طلال آنذاك، تجسد تفاني المملكة نحو تمكين المرأة.
إعلان ومنهاج عمل بكين وضع أجندة طموحة للنهوض بحقوق المرأة، وتصور لعالم تستطيع فيه كل امرأة وفتاة ممارسة حرياتها وخياراتها، وتحقيق جميع حقوقها، مثل العيش بدون عنف، والحصول على التعليم، والمشاركة في صنع القرار والحصول على أجر متساوٍ مقابل الحقوق المتساوية.
ومع ذلك، فإن الأحداث اليوم تؤكد على الصعوبات التي تواجه رحلتنا العالمية نحو المساواة بين الجنسين.
في حين تحققت خطوات كبيرة في مجال المساواة بين الجنسين في جميع أنحاء العالم، مع التحاق مئات الملايين من الفتيات بالمدارس على مستوى العالم وانخفاض كبير في وفيات الأمهات بين النساء على مدار السنوات الثلاثين الماضية، إلا أن وتيرة التغيير نحو الوفاء بالالتزامات التي جرى التعهد بها في بكين لا تزال بطيئة للغاية.
إن التقديرات التي تشير إلى أن سد الفجوة العالمية بين الجنسين قد يستغرق قرونا، تسلط الضوء على الطبيعة الراسخة لهذه المعايير المزدوجة، وتؤكد الحاجة الملحة إلى العمل.
إن التقدم في التعليم والأدوار القيادية، والتصديق على نطاق واسع على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتأييد الواسع النطاق لمنهاج عمل بكين، يشير إلى توافق عالمي في الآراء حول أهمية حقوق المرأة.
ومع ذلك، فإن التغييرات القانونية والمجتمعية اللازمة لتحقيق هذه الالتزامات بشكل كامل لا تزال بطيئة.
وأشار الأمين العام للأمم المتحدة، في رسالته بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، بشكل واضح إلى أنه "تواجه مليارات النساء والفتيات التهميش والظلم والتمييز، حيث تتواصل هيمنةُ الذكور على طريقة تشكيل المجتمعات المستمرةُ منذ آلاف السنين ".
فهذه الرسالة تلخص الكفاح العالمي من أجل المساواة بين الجنسين، مع التركيز على المعوقات النظامية التي لا تزال قائمة.
إن المأساة المستمرة في غزة، والتي قُتلت فيها أكثر من 9000 امرأة فلسطينية، تكشف بوضوح لا جدال فيه عن عمق هذه التفاوتات. إن المذبحة في غزة وفشل الدول في خلق عالم يتساوى فيه جميع البشر – بغض النظر عن الجنس أو الدين أو الجنسية – يشكلان تحدياً للاعتقاد بفعالية القوانين والآليات الدولية المصممة لحماية حقوق الإنسان. بل إن البعض يدعو إلى التخلي عن تلك الأطر.
ومع ذلك، لا تكمن المشكلة بأن الأطر نفسها غير كافية أو متحيزة، بل إن أوجه القصور في تطبيقها وفي المساءلة هي التي أوصلتنا إلى هذه المعاناة الرهيبة التي نراها في غزة.
إن هذه التحديات المستمرة وأوجه عدم المساواة تقودنا إلى سؤال أساسي: ما هو السبيل الأفضل للمضي قدماً؟
تكمن الإجابة على هذا السؤال، في إعادة التأكيد على إيماننا الجماعي والتزامنا بعالمية حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة، وتجديد تعددية الأطراف للسنوات القادمة.
في سبتمبر/أيلول من هذا العام، يجتمع زعماء العالم في نيويورك في إطار قمة المستقبل للعمل بشكل محدد للتوصل إلى: توافق دولي جديد في الآراء بشأن كيفية تحقيق حاضر أفضل مع حماية المستقبل.
وهذه الفرصة التي لا تتكرر أكثر من مرة في الجيل الواحد هي بمثابة لحظة لترميم ما تآكل من الثقة، ولإثبات قدرة التعاون الدولي على التصدي بفعالية لتحديات الحاضر، وكذلك لما نشأ من تحديات في السنوات الأخيرة، أو ما كان منها في حكم الممكن الكامن في ثنايا المستقبل.
وسيكون صوت الأردن في هذه القمة مساهمة مهمة في تصميم مستقبل أفضل للمنطقة والعالم.
كما تكمن الإجابة أيضاً في صمود الشعوب وتقدم دول مثل الأردن، التي تواصل وبرغم من الشدائد، الدفاع عن مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان.
لقد حقق الأردن تقدماً كبيراً في مجال حقوق المرأة، وتحقيق المساواة بين الجنسين في التعليم الأساسي، وتحقيق بعض أعلى مستويات التحاق الإناث بالتعليم الثانوي والعالي في المنطقة والعالم. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات، مثل مشاركة المرأة في العمل السياسي وفي سوق العمل. إن الاستراتيجية الوطنية للمرأة للأعوام (2020-2025) والتزام الأردن بوضع مشاركة المرأة في قلب رؤية التحديث، توفر أساساً متيناً لمزيد من التقدم.
وبينما نتطلع إلى عملية مراجعة بكين +30 وقمة الأمم المتحدة للمستقبل، فإن دور الأردن في تشكيل الأجندة العالمية للمساواة بين الجنسين أمر بالغ الأهمية. توفر هذه المنصات فرصاً فريدة لمعالجة المعايير المزدوجة في حقوق المرأة وتصور مستقبل تكون فيه المساواة بين الجنسين حقيقة وواقع لجميع النساء وفي كل مكان.
إن وكالات وصناديق وبرامج الأمم المتحدة في الأردن، ستعمل على تعزيز تعاونها بالكامل مع الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والشركاء الآخرين للنهوض بحقوق المرأة داخل البلاد. إضافة إلى دعم جهود المملكة ودعوتها لمزيد من الحماية والمساواة للمرأة في غزة والمنطقة الأوسع والعالم.
في يوم المرأة العالمي هذا، دعونا نعيد التأكيد على التزامنا بوعود منهاج عمل بكين، المستوحاة من إنجازات وقدرة دول مثل الأردن، لضمان أن تصبح المساواة بين الجنسين حقيقة معيشية لكل امرأة وفتاة في جميع أنحاء العالم.