معالي الأستاذ الدكتور علي محافظة، أصحاب السعادة، المشاركين الكرام، السيدات والسادة،
اسمحوا لي بداية أن أتوجه بالشكر لمركز عمان لدراسات حقوق الإنسان الذي جمعنا اليوم، وأن أهنئكم على كونكم من بين الفائزين الأربعة على مستوى العالم الحاصلين على جائزة الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2023 في مجال حقوق الإنسان.
نحتفل هذا العام بالذكرى الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
في حين كان ينبغي أن يكون هذا الحدث التاريخي مدعاة للاحتفال، تغيم علينا سحابة داكنة و نشهد صراعًا شديداً يفاقم وبشكل خطير من حجم التهديدات القائمة لصون السلام والأمن الدوليين، كما ذكر الأمين العام للأمم المتحدة في خطابه أمام مجلس الأمن يوم الجمعة.
إن الصراع في غزة، وتصاعد الأحداث في الضفة الغربية، واختطاف واحتجاز عشرات المدنيين كرهائن... كل هذه الفظائع تؤدي إلى فقدان الثقة في القانون الدولي والأنظمة الدولية.
وكانت الأمم المتحدة واضحة في دعوتها إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة. وأنا أكرر هذه الدعوة مرة أخرى، الآن. يجب أن يكون هناك وقف فوري لإطلاق النار.
على الرغم من النداءات المتكررة من جانب الأمم المتحدة، والتفعيل النادر للمادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، فإن مجلس الأمن لم يتمكن من العمل بشكل موحد في الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وهو ما يحتاج إليه المدنيون في غزة.
قد يعلم الكثير منكم، فقد قضيت أكثر من عشر سنوات في العمل مع الأمم المتحدة في غزة.
من المؤلم للغاية رؤية هذه المعاناة. بالنسبة لي، مثل الكثيرين منكم، ما يحدث ليس مجرد قصة تتداولها الأخبار. إنها حقيقة. يمكنني أن أسمي الأشاء بأسمائها. أحياء أعرفها، كانت ذات يوم مليئة بضحكات الأطفال. عائلات قضيت وقتًا معها، مزقها النزوح والموت والإصابات. استضافوني على العشاء في منازل أصبحت اليوم ركاماً. إن مدارس الأمم المتحدة التي يدرس فيها حقوق الإنسان يومياً، تتعرض الآن للهجوم والتدمير وتستخدم كملاجئ لأكثر من مليون شخص ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه. أعياد الميلاد، وحفلات الزفاف، وحفلات التخرج والتقاعد مع الزملاء الأعزاء الذين يشعرون الآن بالحزن على فقدان أكثر من 130 من موظفي الأمم المتحدة.
ولا يزال 13 ألف موظف من موظفي الأمم المتحدة في غزة – من زملائنا وأصدقائنا وعائلتنا - يواصلون كل يوم، في ظل ظروف لا يمكن تصورها، تقديم المساعدة الحيوية لنحو 2.2 مليون شخص، 75% منهم من اللاجئين.
لذا، وفي خضم هذه المعاناة العميقة، دعونا، في يوم حقوق الإنسان، نتوقف للحظة للتأمل بصدق في أهمية حقوق الإنسان والتحديات التي نواجهها. دعونا ننخرط في حوار صريح.
هل فشلت آليات حقوق الإنسان؟
هذا سؤال صعب. ولن أعطي إجابة مبسطة جداً عليه. لكن فلنضع السؤال بشكل مختلف. هل لا تزال مبادئ ومثل حقوق الإنسان العالمية صالحة؟ هل لا يزال القانون الدولي لحقوق الإنسان ساري المفعول؟
كنت التقيت بالعديد من الأردنيين في الأسابيع الأخيرة الذين يطرحون هذه الأسئلة الصعبة. ومع ذلك، عندما أسألهم عما إذا كانوا يعتقدون أن مبادئ حقوق الإنسان وقوانينها الأساسية، لا تزال صالحة، فإنهم جميعًا يقولون نعم. القوانين بحد ذاتها لا تزال سارية.
ولكن هل يستطيع جميع البشر الحصول على حقوقهم على قدم المساواة؟
هنا تكمن المشكلة. الاجابة بوضوح هي لا.
ويتضح بشكل مؤلم ولا مفر منه أنه ليس كل البشر قادرين على التمتع بحقوق الإنسان العالمية على قدم المساواة. ويدرك كثيرون، خاصة الآن، أن حقوق الإنسان تتوقف عند الحدود والأديان والأجناس والأعراق.
ومن الواضح أن لدينا الكثير من العمل للقيام به.
كيف يمكننا تصحيح ما تسميه المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بـ " الإزدراء الساخر لحقوق الإنسان، وعدم الإنصات للتحذيرات المتعلقة بها" وهو ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم؟
كيف نضمن المساءلة والعدالة عندما تحدث الانتهاكات؟ حيث توجد ادعاءات خطيرة للغاية بحدوث انتهاكات متعددة وعميقة للقانون الدولي، بغض النظر عمن يرتكبها؟
وينص القانون على ضرورة تقييم هذه الأمور بشكل صحيح من خلال تحقيق مستقل صارم، يستند إلى توثيق وتحليل للأدلة بشكل دقيق وغير متحيز، مع محاسبة المسؤولين عن ذلك من قبل سلطة قضائية مختصة.
وفي السياق الحالي، تقوم لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وإسرائيل، بالفعل "بجمع وحفظ الأدلة على جرائم الحرب التي ارتكبتها جميع الأطراف منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023".
وهذا ما يحدث، لكنه يستغرق وقتا.
ماذا بعد؟ ماذا يمكننا أن نفعل لضمان المساءلة؟ لضمان الحماية المتساوية؟
في المقام الأول، الحل يقع على عاتق الدول. مع قادتنا السياسيين. أولئك الذين يجتمعون في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومجلس حقوق الإنسان، والذين يعملون بشكل ثنائي للضغط على الدول الأخرى للتصرف وفقًا للقانون.
القيادة في الأردن تقوم بدور محوري في هذا الصدد. ويضغط جلالة الملك عبد الله الثاني ومعالي وزير الخارجية أيمن الصفدي وآخرون من أجل الاحترام الكامل لحقوق الإنسان في المنطقة. إن الجهود التي تبذلها الدول الأعضاء مثل الأردن أمر بالغ الأهمية.
ومع ذلك، فإن الحل يقع أيضًا على عاتق كل فرد منا، بما في ذلك أنتم، المشاركون في زمالة الشباب. يلعب كل واحد منا دورًا حاسمًا في تحسين الوضع من خلال المساهمة بالاقتراحات، ومحاربة الاستقطاب، وتعزيز الرخاء المتساوي، والسلام، واستدامة الكوكب.
وبدلا من التراجع، دعونا نؤكد من جديد التزامنا بحقوق الإنسان. فلنتحد بدلاً من أن ننقسم في إعادة بناء الثقة في القانون الدولي لحقوق الإنسان. وإذا رأيتم بأن الأمور لا تعمل -كما ينبغي- ارفعوا صوتكم واطرحوا أفكاركم حول كيفية إصلاحها.
في الوقت الذي يخيم فيه الظلام ، دعونا نبحث عن النور. النور الذي سيرشدنا إلى الطريق نحو الأمام.
إن التحديات كبيرة. ولا يوجد حل سحري.
لكن معًا، يمكننا أن نجد الطريق. طريق أفضل للمضي قدمًا. وللجميع.
فاليوم، في الذكرى الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، دعونا نعيد تأكيد دعمنا لهذه القيم، ولتعزيز آليات المساءلة، حتى يعم السلام الدائم والرخاء للجميع في جميع أنحاء المنطقة وخارجها. فلنؤكد من جديد أننا جميعا متساوون في الكرامة والحقوق.
###