أمّون مصطفى كتابي – 58 سنة، هي قابلة قانونية تعمل في عيادة الصحة الإنجابية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في مخيم الزعتري. وهي إحدى القابلات المميزات من بين آلاف القابلات اللاتي ينقذن الأرواح ويحدثن فرقاً في مجتمعاتهن.
بدأت أمّون مسيرتها المهنية عام 1985 بعد دراستها للقبالة القانونية والتمريض لمدة خمس سنوات في حمص - سوريا، ومنذ ذلك الحين ولغاية الآن ولد بين يديها آلاف الأطفال عبر ولادات آمنة. وبالرغم من أنها تعمل ستة أيام في الأسبوع إلا أنها لا تفكر بالتقاعد أبداً فهي لازالت قادرة على العطاء.
عملت أمون في سوريا لمدة خمس سنوات ثم انتقلت للعيش في الأردن وهي بلدها الأم عام 1989. تنقلت خلالها بين مستشفيات مدينة إربد إلى أن أصبحت مسؤولة قبالة ومسؤولة عن قسم الولادة والأطفال الخداج عام 2009 وبعدها رئيسة لقسم التمريض قبل أن تعمل في عيادة الصندوق في الزعتري، والتي تديرها جمعية العون الصحي الأردنية الدولية.
في أول يوم عمل لي في المخيم بكيت كثيراً، فلم أعمل قبل ذلك مع اللاجئين ولم أكن أعرف شيئا عن أوضاعهم". وأضافت: "بكيت لأنني كنت أعلم أن معظمهم كانوا يملكون كل شيء في بلادهم، وعلى الرغم من أن حياتهم قد تكون بسيطة ولكنها كانت حياة جميلة ومستقرة، إلى أن فرّوا إلى الأردن خوفاً من القصف والحرب وتركوا كل شيء وراءهم.
"لو فقدت شيئاً بسيطاً كالتلفون مثلاً فإنك ستشعر بالضيق، فما بالك باللذين تركوا كل شيء خلفهم واتجهوا نحو المجهول؟"
حينها، علمت أمّون أنه يتوجب عليها مضاعفة جهدها، فهؤلاء النساء بحاجة ماسة إلى الخدمات ومن يعيد لهم إحساسهن الذي فقدنه بإنسانيتهن أيضاً. إذ تعتبر أمّون أن القبالة بالدرجة الأولى مهنة إنسانية، ويجب على من تمتهنها أن تبذل كل طاقتها فيها وأن تعطي بلا مقابل.
عندما تتعامل أمّون مع النساء تعتبر كل منهن على أنها ابنتها أو طفلتها. وعليه، تؤدي دورها بكل ما أوتيت من عزيمة وقوة وإصرار. بل أن ذلك ـ في مرحلة من المراحل ـ كان على حساب بيتها ووقتها وراحتها. وبالرغم من ذلك تؤدي عملها والبسمة تعلو شفتيها وهي تنتقل من سيدة إلى أخرى تنصح هذه وتُطمئن تلك، وتتحدث مع أخرى كصديقتها ومع غيرها كأمها أو أختها حتى باتت أمون أيقونة ليس في عيادة الصحة الإنجابية فحسب، لا بل في المخيم بأسره.
خلال عملها في العيادة، شاركت وأشرفت أمّون على آلاف الولادات الآمنة في المخيم. وقالت وعيونها تتلألأ ببريق السعادة: "ربما لم يشأ الله أن يهبني طفلاً من صلبني، لأنني قد حُرمت من نعمة الأمومة، ولكنني أعتبر كل الأطفال أبنائي لأنني كنت حاضرة عندما رأت أعينهم النور لأول مرة." وأضافت: "يجتاحني إحساس غامر بالسعادة عندما ألتقي بإحداهن هنا أو هناك ويكون معها ابنها أو بنتها وتخبرني أنني أنا من أشرفت على ولادتها الآمنة."
من ناحيتها قالت الدكتورة غادة دولات مديرة عيادة الصحة الجنسية والإنجابية أن أمون أصبحت ضرورة في العيادة، وأنها إنسانة حساسة تحمل بين جنبيها كل معاني الأمومة، وأضافت: " أمون عصب هذه العيادة، فهي أم للمكان وأم لكل من فيه، ولا أستطيع أن أتخيل أن العيادة بدونها، فهي التي تبث فينا الحياة"
ثم ظهرت جائحة كوفيد-19 العالم وحصلت الإغلاقات الشاملة، ولم تتمكن من الحضور إلى العيادة بسبب القيود التي فُرضت على حرية التنقل والحركة. ثم وبعد أن حصلت على التصاريح اللازمة عادت للعمل في ظل هذا الظرف الصعب على العالم ككل وعلى اللاجئين بشكل خاص.
وكان عملها مضاعفاً في تلك الفترة بسبب نقص الكوادر المُصرح لها بالعمل، ولكنها تمكنت بكل كفاءة واقتدار على تجاوز هذه المرحلة الصعبة. وما يزيد من سعادة أمون بحسب قولها هو عندما ترى التقدم الذي حصل في الخدمات التي تقدمها العيادة للمراجعات. "أحس أنني ساهمت ولو بجزء بسيط في هذا الإنجاز العظيم"
غادر فريق صندوق الأمم المتحدة للسكان المخيم وترك أمّون والبسمة تعلو محياها لتستقبل "بناتها" كما تحب أن تسمي المراجعات في العيادة.
#########
تعد جمعية العون الصحي الأردني الدولية الشريك المنفذ لصندوق الأمم المتحدة للسكان مكتب الأردن والذي يعمل على إدامة خدمات الصحة الجنسية والإنجابية في عيادة مخيم الزعتري للصحة الإنجابية.
وتستمر هذه الخدمات بمنحة كريمة من منظمة مكتب المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية والحماية المدنية (الإيكو) الذي يدعم بدوره كل من العيادة، والأماكن الآمنة للنساء والفتيات في مخيم الزعتري