التشبث بالحياة — قصص عن الصمود والكرامة في مخيم الزعتري

في ذلك الصباح، بدا مخيم الزعتري مختلفًا بعض الشيء.
في ذلك الصباح، بدا مخيم الزعتري مختلفًا بعض الشيء. غاب عنه الضجيج المعتاد لأصوات الأطفال ورائحة الطعام المتقاسم بين الجيران، وحلّ مكانه هدوء جديد. هنا، لم يعد حلم العودة للوطن مجرّد فكرة بعيدة، بل أصبح أمرًا يجري التفكير فيه برويّة وتأنٍّ.
أبو حمزة يتمسك بالكرامة والأمل رغم تزايد الصعوبات
كان أحد المحلات التجارية المعتمدة لدى برنامج الأغذية العالمي وهو واحد من اثنين داخل المخيم هادئًا على غير عادته. يمشي الناس بين الرفوف بتأنٍ، بعربات لا تحمل الكثير. وسط ذلك، لفت انتباهنا رجل في أواخر الأربعينيات من عمره، يتحرّك بثقة هادئة، يختار احتياجاته الأساسية من: أرز، عدس، زيت، وقليل من الأساسيات الأخرى.

ذلك الرجل هو أبو حمزة. أبٌ لستة أطفال، خمسة بنات وولد صغير، وُلِد اثنان منهم هنا في المخيم. لم تفارقه الابتسامة حين رحب بفكرة الحديث معنا، ودعانا للدردشة بروح دافئة لا تجدها إلا في الأماكن التي تنبع فيها الضيافة من طيبة القلب، وليس فقط من العادة أو الواجب.
"نحن هنا منذ ثلاثة عشر عامًا تقريبًا. الأمر ليس سهلاً، لكننا جعلنا من هذا المكان بيتًا لنا… لأننا لا نملك مكانًا آخر".مثل الكثيرين في المخيم، تعتمد عائلة أبو حمزة على المساعدات النقدية الشهرية من برنامج الأغذية العالمي لتلبية احتياجاتها الغذائية. ولكن في العامين الماضيين، أدّى تخفيض قيمة المساعدات إلى تقليص حصص الطعام.
"المساعدات التي نتلقاها هي السبب الذي يحمي أطفالي من النوم ببطون فارغة"، قال بهدوء. "حتى لو كانت أقل مما كانت عليه، هي ما يبقينا صامدين. من دونها، لا أعلم كيف سنواجه الأيام. إنها تمنحنا قليلًا من راحة البال… والكثير من الكرامة".

توقف قليلًا، نظر إلى عربته المتواضعة قبل أن يضيف: "كنا نحصل على أكثر من ذلك سابقًا. أما الآن، بالكاد تكفي حتى نهاية الشهر. ومع ذلك، لا أعلم كيف سنكمل من دونها".
كان في صوت أبو حمزة كبرياء صامت، قوة داخلية لا يُعبّر عنها بالكلام. لكن حتى تلك القوة تضعف حين يدور الحديث عن سوريا. "منزلنا في درعا صار ركامًا"، قال بنبرة ثابتة، وعيناه مغلقة. "حتى لو أردنا العودة، فلا سقف يظلّل أطفالي. ولا عمل هناك. كل ما لدينا هو ديون تراكمت نحاول سدادها هنا".
لم يكن في كلماته مرارة، بل واقع رجل يعرف تمامًا حسابات الحياة. ثم، وهو يُجهّز عربته للمغادرة، أضاف كأنه يحدث نفسه: "لا تزال الأمور هنا مجهولة بالنسبة لعائلتي. لكن على الأقل، مع هذا القليل الذي نملكه، يمكننا الاستمرار".
علياء ونسيم يجدان في العائلة عزيمة للبناء من جديد
على بعد بضعة كرفانات، كان مشهد آخر ينبض بصمتٍ مختلف، لكنه لا يقل عمقًا. كانت علياء واقفة خارج مأواها، يداها غارقتان في صندوق مليء بحبات الفول الأخضر. كان لونها داكنًا، طرية بعض الشيء، وحوافها بدأت بالاسوداد — على الأرجح اشترتها بسعر مخفّض من السوق غير الرسمي في مخيم الزعتري. كانت تنقّيها بعناية، تحفظ منها ما لا يزال صالحًا.

كان زوجها نسيم يقف بالقرب منها، نظرته مركّزة على الفرشات الخالية التي يجلس عليها أطفالهم بعد عودتهم من المدرسة.
يبلغ التوائم الثلاثة الآن ثلاثة عشر عامًا، وقد وُلدوا قبل شهرين فقط من مغادرة العائلة لسوريا. اليوم، كانوا في المدرسة - وهو أمر تفخر به علياء ونسيم كثيرًا. التعليم هو أساس حياتهم.
قالت علياء وهي تمسح يديها على ثوبها: "لقد ضحّينا بالكثير لنُبقيهم على مقاعد الدراسة. إذا كان هناك شيء واحد يمكننا منحه لهم، فهو فرصة التعلم. شيءٌ نأمل ألا تسلبه أي حرب".
في سوريا، كانت علياء موظفة في شركة الكهرباء الوطنية. هنا في المخيم، وجدت عملاً مؤقتًا في برنامج تشغيلي مع منظمة غير ربحية، لكن المشروع توقف قبل شهرين بسبب نقص التمويل. أما نسيم، فلم يعد قادرًا على العمل منذ سنوات، بعدما أصيب في الحرب، تاركًا آثارًا دائمة في ساقيه، وتفاقم حالته الجسدية سوءاً بمرض في القلب.

قالت علياء: "الحياة أصعب منذ أن فقدت عملي. نحاول التوفير، لكن دائمًا ما تكون الحاجات أكبر من قدرتنا. المساعدات الغذائية قَلّت، والمصاريف اليومية تتزايد. نحاول… لكن في بعض الأيام، يبدو الأمر وكأنه أكبر من قدرتنا".
تجد العائلة نفسها اليوم وكأنها تسير على حبل رفيع، تكافح يومًا بعد يوم، بينما تُفكّر بهدوء في إمكانية العودة إلى سوريا. ليس لأنهم يعتقدون أن الأمور أفضل، بل لأن الخيارات بدأت تنفد أمامهم.
اعترف نسيم، بنبرة هادئة:"فكّرنا بالعودة. هناك، قد نتمكن من العيش مع أقاربنا. نبدأ من جديد، حتى لو كانت البداية من الصفر".
وأضاف بعد لحظة صمت: "لكن الديون، التي تبلغ حوالي 700 دينار أردني مستحقة للدكاكين هنا، تُبقينا متشبثين بالأمل في الوقت الحالي. أضاف نسيم بصوت منخفض وحازم: "لا أستطيع المغادرة دون سداد ما علينا. لقد وثق بنا هؤلاء الناس. أريد أن أتمكن من النظر في أعينهم والقول إننا لم نهرب. وأننا غادرنا بأيدٍ نظيفة".
ثم أكمل: "أَذكر أولى ليالينا هنا، كنا ننام في خيمة مع ثلاثة رُضّع. إذا اضطررنا لفعل ذلك مرة أخرى، فسنفعل. سواءً هنا أو هناك… الحياة تختبرنا دائمًا. لكن بالإيمان والصبر، سنعيد البناء، حتى لو حَجراً بعد حجر".
لقد مكّن دعم الجهات المانحة برنامج الأغذية العالمي من مساعدة اللاجئين السوريين الأشد ضعفًا في الأردن خلال أصعب الفترات. وقد أدّت مساهمات الشركاء مثل مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية (KSrelief) دورًا محوريًا خلال السنوات الماضية، حيث ساعدت عائلات مثل عائلة أبو حمزة وعائلة عالية في الحصول على الغذاء الذي تعتمد عليه. ومع تطور الأوضاع وشحّ الموارد، فإن استمرار الدعم يُعدّ أمرًا ملحًا لضمان تمكين العائلات الأكثر ضعفًا من الحصول على ما يكفي من الطعام.