يشرفني أن أقف أمامكم مرة أخرى ونحن نحيي ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
يصعب التصديق، أننا اليوم نجتمع في ظل معاناة إنسانية مستمرة منذ أكثر من عام، معاناة مستمرة من الدمار الذي لا يمكن تصوره في المنطقة.
المبادئ التي ينص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان—الكرامة، المساواة، والعدالة—تواجه تحديات متواصلة، وفشل العالم في الوفاء بها يثقل كاهلنا جميعًا.
إن تجاهل القانون الإنساني الدولي وتصاعد النزاعات أدى إلى مستويات غير مسبوقة من المعاناة بين المدنيين.
في غزة، قُتل أو أُصيب أكثر من 150,000 فلسطيني. فيما دمرت البنى التحتية الأساسية.
الجوع والتشرد والأمراض منتشرة، وعمليات الإغاثة على حافة الانهيار.
ما زال هناك 101 رهينة محتجزين.
الضفة الغربية المحتلة أصبحت بؤرة للتوتر والعنف.
لبنان والبحر الأحمر يتعرضان للتوترات المتصاعدة.
تبادل الهجمات بين إسرائيل وإيران أثار مخاوف من تصعيد أوسع في المنطقة.
أما التحولات في سوريا فتثير آمالًا حذرة وقلقًا عميقًا بشأن التحديات المقبلة.
ومع انتشار هذه الأزمات واستمرارها وتطورها، يتآكل الإيمان بالقانون الدولي والمؤسسات القائمة على حمايته.
ومع ذلك، وسط هذا الظلام، هنالك مقدار من العزيمة والصمود.
ينشأ حوار حيوي—حوار يسعى إلى الانتقال من اليأس إلى العمل...
عمل يدعم المبدأ الأساسي للمساواة في الحقوق للجميع، ويعزز استخدام إطار حقوق الإنسان، ويعبئ الإرادة السياسية لضمان المساءلة.
في هذا المسعى، يظل الأردن منارة ثابتة للقيادة الأخلاقية، يدافع بلا كلل عن السلام والمساءلة، وتستخدم نفوذها الدبلوماسي والسياسي للدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيزها للجميع في المنطقة.
وبالتوازي مع ذلك، يواصل الأردن رحلته الخاصة في مجال حقوق الإنسان دون انقطاع.
من المهم الإشارة أنه في يناير 2024، خضع الأردن للاستعراض الدوري الشامل الرابع، وهو عملية حيوية تقوم فيها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتقييم تقدم دولة ما في مجال حقوق الإنسان.
وفي نوفمبر، خضع الأردن أيضًا للمراجعة من قبل اللجنة التي تراقب اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
في الاستعراض الدوري الشامل، قَبِل الأردنّ 204 من أصل 279 توصية—زيادة ملحوظة عن الدورة السابقة في 2018.
سلّطت المراجعة الذاتية ومراجعة الأقران الضوء على الإنجازات مثل التعديلات الدستورية التي تعترف بالمساواة بين الجنسين وحماية الأشخاص ذوي الإعاقة، وإصدار قانون حقوق الطفل، وتعديلات قوانين العمل لتمكين المرأة، وإدخال إصلاحات سياسية لتعزيز المشاركة للشباب والنساء.
كما عززت الدولة عدالة القضاء، ووسعت المساعدة القانونية، وحسنت حماية ضحايا الاتجار بالبشر.
وباعتبارها مضيفة لملايين اللاجئين، حظيت المملكة الأردنية الهاشمية بإشادة عالمية لكونها رائدة في دعم اللاجئين.
ويتجلى التزام المملكة بالتعاون الدولي من خلال المشاركة الفعالة مع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وإدماج التعليم والتدريب على حقوق الإنسان في المؤسسات المختلفة.
تم تجديد توصيات سابقة تتعلق بحرية التعبير، والفضاء المدني، وحقوق المرأة والطفل، والعنف المبني على النوع الاجتماعي، وممارسات الاحتجاز، وحقوق العمال المهاجرين.
تتضمن التوصيات الجديدة زيادة الوعي لدى النساء بحقوقهن العمالية، ومشاركة الشباب في العمل المناخي، وزيادة قدرات المحاكم الشرعية والمدعين العامين، ومنع حالات انعدام الجنسية، وتعزيز بروتوكولات وآليات الإحالة لمتعاطي المخدرات.
تسلط القمة العالمية المقبلة للإعاقة التي ستعقد في أبريل-نيسان المقبل، والتي يشارك كل من الأردن وألمانيا في استضافتها، الضوء على التزام الأردن بحقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة.
هذا الالتزام يستحق الثناء، كما هو الحال مع النهج الاستباقي للأردن في تنفيذ توصيات الاستعراض الدوري الشامل من خلال خطة عمل يقودها مكتب رئيس الوزراء.
يمكن أن تتضمن خطة العمل هذه أيضًا التوصيات من الزيارة الأخيرة للمقرر الخاص المعني بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في عام 2022، ومراجعة الأردن من قبل لجنة حقوق الطفل في 2023، واللجنة التي تراقب اتفاقية مناهضة التعذيب في 2024.
سيؤدي ذلك إلى إنشاء خطة عمل شاملة تتيح متابعة جميع التوصيات الموجهة إلى الأردن بشكل متكامل.
تظل الأمم المتحدة شريكًا ثابتًا مع الأردن في هذه الجهود.
في جميع أنحاء المنطقة، نرى العديد من الأمثلة على كيفية تعثر التطبيق العالمي لحقوق الإنسان في وجه النزاعات والتمييز وعدم المساواة.
لكن الأردن يقدم مثالًا بديلًا، مثالًا يظهر كيف يمكن للسلام والالتزام والتعاون أن تؤدي إلى تقدم مستمر نحو حقوق الإنسان للجميع.
إن صمود الأردن وقيادته وتفانيه يبعث الأمل في هذه الأوقات الصعبة.
في هذا اليوم العالمي لحقوق الإنسان، دعونا نكرم مبادئ الإعلان العالمي من خلال تجديد دعمنا للنظام الدولي لحقوق الإنسان.
المساءلة والشمولية والعدالة ليسوا خياراً—بل أساس السلام والأمن.
معًا، دعونا نعمل على تعزيز قيم الكرامة والمساواة والعدالة، لضمان أن تكون واقعًا للجميع وليس مجرد طموحات.
شكرًا لكم.