تمكين المجتمعات من خلال التغذية: الشيف منال العالم مع نساء مخيم الزعتري
وفي صميم هذه الجهود، تأتي شراكة برنامج الأغذية العالمي مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في تأمين المساعدات الغذائية الشهرية لآلاف اللاجئين.
بين الأزقة المغبرة لمخيم الزعتري، تختلط أصوات لعب الأطفال مع رائحة الخبز الطازج في مشهد يعكس صمود الحياة رغم المشقة. بالنسبة للشيف منال العالم، لم تكن هذه زيارتها الأولى للمخيم، لكنها دائماً ما تحمل معها عمقاً جديداً من المشاعر. بصفتها سفيرة للنوايا الحسنة لبرنامج الأغذية العالمي في الأردن، شهدت منال عن قرب صمود اللاجئين السوريين وهم يتكيفون مع تحديات اللجوء. هذه المرة، ركزت زيارتها على التواصل مع نساء يستفدن من المساعدات الغذائية الشهرية التي يقدمها البرنامج، واللاتي شاركن في جلسات توعية بالتغذية موجهة للأمهات الحوامل والمرضعات.
بدأ صباح منال في أحد المطابخ المجتمعية بالمخيم، حيث جلست مجموعة من النساء في دائرة ومعهن كتب وصفات صحية وبطاقات تعليمية. كانت الجلسة التي تقودها خبيرة تغذية من برنامج الأغذية العالمي تسلط الضوء على نصائح عملية لتحسين الأنظمة الغذائية باستخدام مكونات بسيطة وميسورة التكلفة. رفعت منال إحدى الكتب، وشرحت كيف أن اتخاذ خيارات غذائية مدروسة يمكن أن يغير الحياة. وقالت للنساء بصوت دافئ: "الغذاء ليس فقط للبقاء على قيد الحياة، بل هو وسيلة للرعاية والشفاء والتمكين".
دعت منال المجموعة لتحضير وجبة جماعية باستخدام وصفات من الكتاب. وأثناء الطهي، تدفقت الأحاديث بشكل طبيعي، مما خلق مساحة للنساء لمشاركة قصصهن وتجاربهن. من بينهن كانت فاطمة، أم لسبعة أطفال، تحمل قصتها تجارب المخيمات المليئة بالتحديات والانتصارات.
فاطمة، التي بلغت الأربعينيات من عمرها، وصلت إلى الزعتري عام 2014 مع زوجها وأطفالها من ريف دمشق. وُلد اثنان من أطفالها في المخيم، بينما تزوجت اثنتان من بناتها وأصبحن أمهات. كانت حياة عائلتها في سوريا تدور حول الزراعة، ولكن في الزعتري وجدت فاطمة نفسها تواجه واقعاً جديداً. وأثناء تحضيرها لطبق من العدس مع الأرز والسبانخ، قالت لمنال: "عندما جئت إلى هنا، كنت أعتمد على نصائح أمي وأقاربي حول تغذية الأطفال والعناية بنفسي خلال فترة الحمل".
بعد الوجبة، جلست فاطمة مع منال لتتحدث بشكل أعمق عن رحلتها. وقالت: "الكثير من هذه النصائح كانت خاطئة أو حتى مضرّة. على سبيل المثال، كنت أعتقد أن إعطاء العسل للرضّع يجعلهم أقوياء، لكنني تعلمت أنه قد يكون خطيراً قبل بلوغهم السنة الأولى. الآن أشعر بالثقة والأمان في قراراتي".
تأثرت منال بقصة فاطمة، وقالت لها بابتسامة: "لم تغيّري صحة عائلتك فقط، بل أصبحتِ معلمة للآخرين". وأوضحت فاطمة كيف أنها تشارك هذه المعرفة مع بناتها وجيرانها وصديقاتها، مما ينشر تغييراً إيجابياً في مجتمعها.
بالقرب منهن، كانت حميدة، أم لثلاثة أطفال، منهمكة في ترتيب مكونات طبق حساء الخضار. خلال تحضير الطعام، شاركت حميدة تجربتها مع فقر الدم الذي عانت منه لسنوات، وازدادت صعوبة نتيجة قلة الخيارات الغذائية المتاحة لعائلتها. لكنها قالت إن برنامج التوعية التغذوية علّمها كيفية تحقيق التوازن في الوجبات. وأضافت: "لم أكن أتخيل أن الطعام يمكن أن يغير الكثير. بدأت أستبدل المكونات الغالية بأخرى ميسورة وتحتوي على نفس القيمة الغذائية. مثلاً، تعلمت استخدام العدس بدلاً من اللحوم في بعض الأطباق. تحسن فقر الدم لديّ، وأرى الفرق في نتائج فحوصاتي الطبية".
في لحظة هدوء بعد الجلسة، تحدثت حميدة بشكل أكثر تفصيلاً عن التحديات التي تواجهها عائلتها. وقالت: "تم تقليص المساعدات الغذائية الشهرية منذ أكثر من عام، وهذا أثر علينا بشدة. لكنني تعلمت التكيف واستغلال ما هو متاح. الآن أشعر بالثقة عندما أشتري الطعام لأطفالي، وأنا أعلم ماذا أقدم لهم على المائدة".
كانت رسالة حميدة واضحة وقوية: "طوّري معرفتك. ابحثي عن المعلومات الصحيحة، وتخلي عن المفاهيم الخاطئة والممارسات الثقافية الضارة، خاصة تلك المتعلقة بالغذاء لأن لها تأثيراً مباشراً على صحة أسرتك".
أثناء استماعها لهذه القصص، تذكرت منال التحديات الهائلة التي يواجها اللاجئون، وخاصة في بيئة المخيمات التي تعاني من ندرة الموارد. ومع ذلك، فإن صمود وابتكار نساء مثل فاطمة وحميدة كان بمثابة شعاع أمل، وقالت لهن: "قوّتكن تلهمني".
انتهت الجلسة بالضحك ومشاركة الأطباق، لكن واقع الحياة في المخيم ظل حاضرًا في ذهن منال وهي تسير بين أزقة مخيم الزعتري. فكّرت في الحاجة الملحة إلى دعم أكبر لتلبية احتياجات العائلات الأكثر ضعفاً.
وفي صميم هذه الجهود، تأتي شراكة برنامج الأغذية العالمي مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية (KSrelief)، الذي تساهم مساعداته، إلى جانب المانحين الآخرين، في تأمين المساعدات الغذائية الشهرية لآلاف اللاجئين.
ولتحسين الحالة التغذوية للعائلات المستفيدة من المساعدات الشهرية، يدمج برنامج الأغذية العالمي مكوناً للتوعية التغذوية يركز على العائلات ذات الاحتياجات الخاصة، مثل النساء الحوامل والمرضعات والأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6-23 شهرًا. ومن خلال التدريب والأدوات التعليمية، يعمل البرنامج على تعزيز الوعي بأهمية الأنظمة الغذائية المتنوعة والمغذية لتلبية هذه الاحتياجات.
ومع زيادة احتياجات اللاجئين مقارنة بالموارد المتاحة، أكدت منال أهمية استمرار العمل الجماعي لسد الفجوات. وقالت: "كل وجبة نتشاركها، وكل معلومة ننقلها تحدث فرقًا. ولكن يجب أن نضمن أن هذه العائلات تحصل على الدعم الذي تحتاجه ليس فقط للبقاء، بل للنجاح".
غادرت منال الزعتري وهي تحمل معها قصصاً عن الصعوبات والأمل والعزيمة وقوة المجتمع—دليل على أن الروح الإنسانية لا تنكسر حتى في أصعب الظروف.