كلمة شيري ريتسيما-أندرسون، المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في الأردن
Multilateralism is not merely a framework; it is a reflection of our shared humanity.
صاحب العطوفة السيد ماجد قطارنة، الأمين العام لوزارة الخارجية وشؤون المغتربين
سعادة الأستاذ الدكتور حسن المومني، عميد كلية الأمير حسين للدراسات الدولية في الجامعة الأردنية
الدكتورة رشا فتيان، المديرة التنفيذية معهد السياسة والمجتمع
السادة المشاركون والمتحدثون الموقرون،
أصحاب المعالي و السعادة من ممثلي أكثر من 40 بعثة دبلوماسية أجنبية، والدول الأعضاء في الأمم المتحدة،
الضيوف الكرام،
يشرفني أن أرحب بكم في هذا المنتدى حول التعددية – مفهوم شكّل عالمنا الحديث ويوجه جهودنا المشتركة لتحقيق السلام والعدالة والتنمية.
اليوم نحيي الذكرى التاسعة والسبعين لتأسيس الأمم المتحدة، والتي صادفت في أكتوبر. وعادةً ما نحتفل بهذه المناسبة بفعالية مجتمعية أو استقبال رسمي، ولكن الأوضاع في المنطقة تتطلب منا ردًا أكثر عمقًا وفعالية من مجرد احتفال.
في ظل عام مليء بالمعاناة غير المسبوقة في المنطقة، منذ الهجمات المؤسفة في 7 أكتوبر 2023 التي أودت بحياة أكثر من 1,250 شخصًا، بمن فيهم نساء وأطفال، وموجة العنف وسفك الدماء التي اجتاحت المنطقة، حيث شهدت غزة وحدها حملة عسكرية إسرائيلية جلبت دمارًا هائلًا وموتًا بلا هوادة. قُتل أو أُصيب حوالي 150,000 فلسطيني، ويواجه 345,000 شخص مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي.
وفي الوقت نفسه، لا يزال 101 شخص من جنسيات مختلفة محتجزين كرهائن لدى حماس أو جماعات فلسطينية مسلحة أخرى...
حيث أصبحت الضفة الغربية المحتلة بؤرة للعنف والتوتر...
وحيث نزح الملايين عبر المنطقة، وتدمرت العشرات من الأحياء والمدن، ويذهب الأطفال من مختلف الجنسيات إلى النوم خائفين، يفتقدون أقاربهم ويخشون ما قد يجلبه الغد...
وحيث أخفقت الجهود الدبلوماسية، وتم انتهاك القانون الإنساني الدولي، وتضاءلت الثقة في النظام الدولي...
كثيرون في العالم، وهنا في الأردن، وربما حتى في هذه القاعة، يسألون: "ما فائدة التعددية إذا كانت الأمم المتحدة تبدو عاجزة أو غير راغبة في منع أو إيقاف الحرب؟"
في هذا السياق، وُلدت فكرة هذا المنتدى – نتيجة شراكة بين الأمم المتحدة في الأردن، ومعهد السياسة والمجتمع، والجامعة الأردنية، بدعم من وزارة الخارجية الأردنية –كوسيلة لإحياء تأسيس الأمم المتحدة من خلال التأمل في أصول التعددية، ومواجهة تحدياتها، واستكشاف سبل تعزيزها في هذه الأوقات الحرجة.
لأننا، على الرغم من صعوبة هذا الوقت وبعد السلام والعدالة عن متناول اليد، نؤمن بأن التخلي عن التعاون متعدد الأطراف ليس خيارًا.
شخصيًا، يمكنني أن أشارك أن خبرتي التي تمتد لما يقرب من عقدين من العمل الإنساني في حالات الطوارئ — بدءًا من النزاعات في غزة والضفة الغربية والعراق والسودان، إلى تفشي وباء إيبولا في إفريقيا والعديد من الزلازل في إندونيسيا — أظهرت لي، بطرق إنسانية وحقيقية للغاية، كلاً من المعاناة الرهيبة التي يمكن للبشر أن يُلحِقوها ببعضهم البعض، وكذلك الخير الذي يمكننا تحقيقه عندما نعمل معًا للتغلب على ما يبدو مستحيلًا وتعزيز حقوق بعضنا البعض.
تنبع أصول التعددية من هذا الإدراك العميق: أن التحديات الجماعية للبشرية تتطلب حلولًا جماعية.
لقد كشفت الحربان العالميتان عن حدود العمل الأحادي. ومن هذا الدمار، وُلدت الأمم المتحدة في عام 1945 – منارة أمل تجسد عزم البشرية على تجاوز الانقسامات وبناء أساس للسلام.
لقد وفرت منصة يمكن للدول من خلالها أن تعمل معًا لمنع النزاعات أو إنهائها، ودعم حقوق الإنسان، وتعزيز التنمية.
وأرست مبدأ أن تحقيق هذه الأهداف السامية يتطلب جهدًا جماعيًا ومسؤولية مشتركة.
في الشرق الأوسط، للتعددية أهمية بالغة.
على مدى عقود، شهدت المنطقة الدور الأساسي الذي تلعبه الأمم المتحدة في تعزيز الحوار، وتقديم المساعدات الإنسانية، ودفع عجلة التنمية المستدامة.
كان العمل الجماعي أداة لا غنى عنها لتخفيف معاناة الإنسان في جميع أنحاء المنطقة.
يمثل الأردن وعد التعددية وما يمكن أن تحققه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من خلال العمل الملتزم.
ومن خلال التزامه بمبادئ التعاطف والدبلوماسية والسعي المستمر لتحقيق السلام، اختار الأردن دائمًا الحوار بدلاً من النزاع.
كرم الأردن الذي لا يضاهى كدولة مضيفة لملايين اللاجئين على مدى ما يقرب من ثمانية عقود يبرز قيادته الأخلاقية ويجسد مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
على مر السنين، عمل الأردن جنبًا إلى جنب مع وكالات الأمم المتحدة والمجتمع المدني والمانحين الثنائيين والمؤسسات المالية الدولية لتقديم مساعدات حيوية وأمل لأولئك الذين هم في أمس الحاجة إليها، مما يذكرنا بما يمكن تحقيقه عندما نعمل جميعًا معًا بروح التضامن.
تمثل هذه الشراكة المستمرة الروح الحقيقية للتعددية: المسؤولية المشتركة والعمل الموحد للتغلب على التحديات الأكثر إلحاحًا التي تواجه البشرية.
ومع ذلك، تواجه التعددية تحديات خطيرة في عصرنا الحالي.
التنافسات الجيوسياسية، والصراعات على الموارد، وانتشار الشعبوية القومية تضغط على الإطار الذي تعمل من خلاله الأمم المتحدة.
الدول لا تتمتع بالمساواة في الحوكمة العالمية واتخاذ القرار.
النظم متعددة الأطراف عفا عليها الزمن، إذ تعكس العالم كما كان في الأربعينيات والخمسينيات، وهي غير كافية لمواجهة التحديات الحديثة التي تتجاوز الحدود وتتطلب حلولًا جماعية، مثل تغير المناخ، والأمن الرقمي، والاستعداد للصحة العامة.
لقد زاد عدم الثقة والشكوك تجاه المؤسسات متعددة الأطراف في السنوات الأخيرة لأن العديد من الناس لا يرون نتائج ملموسة.
بالنسبة لهم، القرارات ليست شفافة بما يكفي.
غالبًا ما تُترك الأسباب الجذرية للنزاعات دون معالجة، ولا يتم إيقاف المعاناة الكارثية التي تسببها البشرية.
وتبدو نتائج التعاون الدولي بعيدة عن النضالات اليومية.
تدفعنا هذه التحديات إلى طرح سؤال ملح:
في ظل هذه التحديات، كيف يمكننا الحفاظ على التعددية وتكييفها لتخدم عالمًا سريع التغير ومترابطًا بعمق؟
هذا هو الموضوع الذي سيناقشه المتحدثون والميسرون لدينا.
ودون أن أستبق حوارهم، اسمحوا لي أن أقدم حقيقة واحدة واضحة: نجاح الأمم المتحدة يعتمد على التزام الدول الأعضاء والمشاركة الفعالة للمجتمع المدني.
تحقيق أهداف الأمم المتحدة السامية يتطلب عملًا من الجميع – الحكومات، والمجتمع المدني، والأفراد. كما يتطلب دعمهم الجماعي للدبلوماسية، والمبادئ، والقيم التي ترتكز عليها الأمم المتحدة، وحتى لفكرة أن التعاون الدولي هدف يستحق السعي لتحقيقه.
لذا اسمحوا لي أن أشكركم على التعبير عن التزامكم بهذه المبادئ والمثل من خلال تخصيص الوقت للانضمام إلينا اليوم.
أصحاب المعالي والسعادة، السيدات والسادة،
التعددية ليست مجرد إطار عمل؛ إنها انعكاس لإنسانيتنا المشتركة.
إنها اعتراف بأنه لا يمكن لأي دولة، مهما كانت قوية، أن تقف بمفردها في عالم مترابط.
وتبقى أداةً قوية لمعالجة التحديات التي تواجه عصرنا – من تغير المناخ إلى الصراعات، ومن الفقر إلى الأوبئة.
لقد علمتني سنوات عملي في الأمم المتحدة أن مسار التعاون ليس دائمًا المسار السهل، ولكنه دائمًا المسار الذي يستحق السعي لتحقيقه. البديل – التنافس والانقسام – لا يؤدي إلا إلى تعميق عدم المساواة والمعاناة.
أتطلع إلى مناقشات المتحدثين اليوم، وإلى أفكارهم حول كيفية استمرارنا في اتباع مسار التعاون مع إعادة تصور التعددية للعالم الحديث.
التحديات التي تواجهنا هائلة.
لكن دعونا لا نفقد الإيمان.
دعونا نعمل معًا لبناء عالم يسوده السلام والتعاون والعدالة للجميع.
كل شخص في هذه القاعة له دور في بناء هذا العالم.
شكرًا لكم.